اطلب تقييم
المباني الخضراء: استدامة وازدهار

المباني الخضراء: استدامة وازدهار   

المباني الخضراء: استدامة وازدهار مقدمة: يشهد العالم تحولًا جذريًا في نظرته إلى قطاع البناء، حيث لم يعد هذا القطاع مجرد وسيلة لتلبية الحاجة إلى المساكن والمرافق، بل أصبح شريكًا أساسيًا في تحقيق التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، تبرز المباني الخضراء كنموذج مبتكر يجسد هذا التوجه الجديد، حيث تجمع بين تلبية الاحتياجات العمرانية والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة. وتُعرف المباني الخضراء بأنها تلك التي تُصمم وتُنفذ وتُشغل بطريقة تقلل من تأثيرها البيئي السلبي، وتعزز من كفاءتها في استخدام الموارد، وخاصة الطاقة والمياه، وتحافظ على صحة وراحة مستخدميها. كما أنها تعتمد على استخدام مواد بناء مستدامة وقابلة لإعادة التدوير، وتقلل من إنتاج النفايات والتلوث. وتُعد المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في المنطقة التي تبنت مفهوم المباني الخضراء، حيث أدرجته كعنصر أساسي في رؤيتها 2030 الطموحة، التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، بما في ذلك قطاع البناء.

 

تقييم المباني الخضراء في السعودية: معايير الاستدامة والفوائد المتنوعة

تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا ملحوظًا في قطاع البناء نحو تبني مفهوم المباني الخضراء. ويُعزى هذا التوجه إلى عدة عوامل، من بينها رؤية المملكة 2030 التي تولي أهمية كبيرة للتنمية المستدامة والحفاظ على البيئة. وتُعرف المباني الخضراء بأنها تلك التي تتمتع بكفاءة عالية في استخدام الموارد، وخاصة الطاقة، وتقليل الأثر البيئي، مما يجعلها خيارًا استراتيجيًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

نظرة عامة على المباني الخضراء في السعودية

حظي قطاع العقارات في المملكة العربية السعودية باهتمام كبير من السياسات والبرامج الحكومية، مثل تطبيق رسوم الأراضي البيضاء وضريبة القيمة المضافة. وقد حفز هذا التوجه نحو المباني الخضراء، التي تمثل نقطة التقاء بين قطاع العقارات وقطاع الطاقة النظيفة، حيث تُساهم هذه المباني في تقليل استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

 

معايير تقييم المباني الخضراء

يعتمد تقييم المباني الخضراء على مجموعة من المعايير الدقيقة والشاملة، التي تغطي مختلف جوانب التصميم والبناء والتشغيل. وتشمل هذه المعايير:

  • استدامة الموقع: اختيار المواقع المناسبة التي تقلل من الأثر البيئي، وتوفر الوصول إلى وسائل النقل العام والمرافق الأساسية.
  • توفير الطاقة: استخدام تقنيات وأنظمة تقلل من استهلاك الطاقة، مثل العزل الحراري، والإضاءة الموفرة للطاقة، وأنظمة التدفئة والتبريد عالية الكفاءة.
  • الكفاءة المائية: اعتماد تقنيات ترشيد المياه وإعادة استخدامها، مثل استخدام صنابير المياه الموفرة، وأنظمة الري بالتنقيط، وتجميع مياه الأمطار.
  • المواد والموارد: استخدام مواد بناء مستدامة وقابلة لإعادة التدوير، وتقليل النفايات المتولدة أثناء البناء والتشغيل.
  • تحسين البيئة الداخلية: توفير بيئة داخلية صحية ومريحة للسكان، من خلال توفير الإضاءة الطبيعية والتهوية الجيدة، واستخدام مواد بناء غير سامة.
  • التصميم والابتكار: اعتماد تصاميم مبتكرة تراعي معايير الاستدامة، وتدمج التقنيات الخضراء بشكل فعال.

 

أنظمة تقييم المباني الخضراء في السعودية

تعتمد السعودية على عدة أنظمة لتقييم المباني الخضراء، من بينها:

1.نظام الريادة في تصميم الطاقة والبيئة (LEED)

يُعدّ نظام LEED أحد أشهر أنظمة التقييم العالمية، ويحظى بتقدير واسع في المملكة العربية السعودية. ويعتمد على معايير صارمة لتقييم أداء المباني من حيث كفاءة استخدام الطاقة والموارد والحفاظ على البيئة. وتوجد العديد من المؤسسات العامة والخاصة في السعودية التي تسعى للحصول على شهادة LEED لمبانيها، مما يعكس التزام المملكة بتحقيق أهداف الاستدامة.

2.نظام “مستدام” لتقييم المباني الخضراء

طورت وزارة الإسكان السعودية نظام “مستدام” لتقييم المباني الخضراء، ويتوافق هذا النظام مع رؤية المملكة 2030 التي تركز على ثلاث مجالات رئيسية: الماء، الطاقة، وصحة الإنسان وراحته. ويشمل نظام “مستدام” ثلاثة أنظمة تصنيف: مستدام للمباني السكنية، ومستدام للمجتمعات، ومستدام للمباني التجارية. ويعتمد هذا النظام على مجموعة من المتطلبات الفنية للاستدامة، ويتضمن مستويات تصنيف مختلفة تتراوح بين “مستدام أخضر” و”مستدام ألماسي“.

3.نظام BREEAM لتقييم المباني الخضراء

يُعدّ BREEAM من أقدم أنظمة تقييم المباني الخضراء وأكثرها شمولاً، ويغطي مجموعة واسعة من المعايير البيئية. ويتم إصدار شهادات BREEAM على مرحلتين: تقييم التصميم وتقييم ما بعد البناء. ويستخدم هذا النظام مجموعة من المعايير المرجحة لتقييم أداء المباني، بما في ذلك إدارة المباني، والصحة والراحة، والطاقة، والمياه، والاستخدام الميداني والبيئة، والمواصلات، والمواد، والنفايات، والتلوث، والابتكار.

 

مزايا المباني الخضراء

تتعدّد مزايا المباني الخضراء، ويمكن تلخيصها في ثلاثة جوانب رئيسية:

1.الفوائد البيئية

    • الحد من استهلاك الطاقة والمياه، مما يقلل من البصمة الكربونية للمباني.
    • الحفاظ على الموارد الطبيعية، مثل المياه والأراضي والغابات.
    • حماية التنوع البيولوجي والنظام البيئي، من خلال تقليل الأثر البيئي للمباني.
    • تقليل التلوث والنفايات، من خلال استخدام مواد بناء مستدامة وإعادة تدوير النفايات.
    • استخدام مواد بناء مستدامة وغير سامة، مما يحسن جودة الهواء الداخلي ويحمي صحة السكان.

2.الفوائد الاقتصادية

    • توفير في التكاليف التشغيلية، مثل فواتير الطاقة والمياه.
    • زيادة قيمة العقار، حيث تجذب المباني الخضراء المستأجرين والمشترين.
    • تحسين إنتاجية المستخدمين، حيث توفر بيئة داخلية صحية ومريحة.
    • خلق فرص عمل جديدة في قطاعات البناء المستدام والطاقة المتجددة.

3.الفوائد الاجتماعية

    • تحسين جودة الحياة، من خلال توفير بيئة صحية ومريحة للسكان.
    • تعزيز الصحة والراحة، من خلال توفير الإضاءة الطبيعية والتهوية الجيدة.
    • دعم المجتمعات المحلية، من خلال توفير فرص عمل وتحسين المرافق العامة.

 

الخاتمة

ختامًا، وبعد استعراضنا لأهمية المباني الخضراء في المملكة العربية السعودية، ومعايير تقييمها وأنظمتها المعتمدة، والمزايا المتنوعة التي تقدمها، يمكننا التأكيد على أن هذا التوجه يمثل حجر الزاوية في تحقيق الاستدامة في قطاع البناء. فمن خلال تبني معايير الاستدامة الشاملة، وتطبيق أنظمة التقييم المعتمدة مثل LEED ومستدام وBREEAM، يمكن للمملكة أن تُحدث نقلة نوعية في هذا القطاع، تسهم في الحفاظ على مواردنا الطبيعية للأجيال القادمة، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز النمو الاقتصادي. إن الاستثمار في المباني الخضراء ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة ملحة لتحقيق رؤية 2030 الطموحة، وبناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للمملكة، حيث تُساهم هذه المباني في تقليل البصمة الكربونية، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه، وخلق بيئات صحية ومريحة للسكان، مما ينعكس إيجابًا على المجتمع والاقتصاد على حد سواء. كما أن تبني هذه الممارسات يعزز من مكانة المملكة كدولة رائدة في مجال الاستدامة، ويجعلها نموذجًا يُحتذى به في المنطقة والعالم.